يُعد فهم هندسة النقل ضرورة أساسية لكل مهندس يسعى للمشاركة في بناء شبكات البنية التحتية المعقدة التي تربط المدن والبلدان وتسهم في تحسين حياة الأفراد من خلال تسهيل الحركة وتقليل التكاليف والوقت. في هذا الدرس التمهيدي، يبدأ المتدرّب بالتعرّف على النطاق العام الذي تغطيه هندسة النقل، والذي يشمل تخطيط وتطوير وتشغيل أنظمة النقل المختلفة مثل الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية. غير أن التركيز في هذه الدورة سيكون موجهًا نحو السكك الحديدية، باعتبارها واحدة من أكثر الوسائل كفاءة لنقل الأفراد والبضائع، خاصة في ظل التوسعات السريعة التي تشهدها الدول في مجال شبكات المترو، القطارات عالية السرعة، وخطوط الربط الإقليمي.
تتناول هذه المرحلة الأولى من التعلم فهم الأسس النظرية التي تقوم عليها حركة النقل. حيث يتم تعريف المتدرّب بمفاهيم أساسية مثل النقل المستدام، الكثافة المرورية، القدرة الاستيعابية، والربط بين النقل والنمو الحضري. كما يُدرّب على تحليل أنماط الحركة، فهم العوامل المؤثرة في سلوك المستخدمين، ودراسة تدفقات الركاب والبضائع ضمن المدينة وخارجها. وهذا يتطلّب إلمامًا بكيفية جمع البيانات الميدانية، قراءتها، وتفسيرها لصالح التخطيط طويل المدى. كذلك يتم تسليط الضوء على العلاقة بين هندسة النقل والسياسات العامة، وكيف أن القرارات المتعلقة بتوسعة شبكة سكك حديدية أو إنشاء محطة جديدة يمكن أن تغيّر توزيع السكان أو الأنشطة الاقتصادية في المدينة.
ينتقل المتدرّب بعد ذلك إلى الجزء الخاص بأنظمة السكك الحديدية، حيث يتعرّف على الأنواع المختلفة لهذه الأنظمة، من القطارات التقليدية، والمترو، والترام، إلى القطارات عالية السرعة وأنظمة النقل المغناطيسي. يتم التطرّق إلى البنية الفيزيائية لكل نظام، وعدد المسارات، نظام التغذية الكهربائية، أنظمة التحكم، والاختلافات بين الشبكات الحضرية والإقليمية. كما يُشرح الفرق بين التصميم المغلق والمفتوح للسكك الحديدية، والاعتبارات التشغيلية مثل التردّد الزمني بين القطارات، السرعات القصوى، وأولوية المرور في التقاطعات.
ويُمنح المتدرّب نظرة أولية على تكوينات الخط الحديدي، بما يشمل طبقات التربة، طبقة الأساس، الفلنكات (sleepers)، القضبان (rails)، أدوات التثبيت (fastening systems)، والعناصر المرتبطة مثل العوازل والمخمدات. كما تتم مناقشة الاعتبارات البيئية لتصميم المسارات، مثل تأثير الضوضاء، الاهتزازات، والانبعاثات، وضرورة دمجها ضمن خطة التصميم منذ البداية لضمان استدامة المشروع.
من خلال دراسات حالة حقيقية ومقاطع توضيحية لمشاريع سكك حديدية قائمة، يبدأ المتدرّب في إدراك التحديات الواقعية التي تواجه هذا القطاع: من مشاكل التضاريس والأنفاق، إلى التوسع في بيئات عمرانية مزدحمة، أو تحقيق التوازن بين الأداء العالي وتقليل التكلفة. كما يتم تعريفه ببعض المنظمات العالمية ذات العلاقة مثل UIC (الاتحاد الدولي للسكك الحديدية) وAREMA والمعايير التي تصدرها لضمان توحيد الجودة والأمان حول العالم.
في نهاية الدرس، يكون المتدرّب قد حصل على صورة شاملة حول المفهوم العام لهندسة النقل، وأهميتها في تشكيل المدن، ودور السكك الحديدية كأداة فعالة للنقل المتكامل. ويكون قد فهم السياق العام الذي ستندرج فيه التفاصيل الهندسية لاحقًا، مما يمكّنه من التفاعل مع المواد التالية بوعي كامل بأهداف التصميم والتخطيط في مشاريع السكك الحديدية.